13/11/2025
من شهر فات دخلت عليّ العيادة سيدة في أواخر الأربعينات...
قالتلي أول جملة بصوت فيه يأس:
“يا دكتور، أنا بقالي سنين جسمي مكسر… العضم بيوجعني جداً، وروحت لأكتر من دكتور في أكتر من تخصص بيتقاللي كل مرة تشخيص مختلف, التعب اللي عندك ده نفسي ، انتي بتتدلعي ، دي هشاشة عظام عادية، عَمَلت تحاليل وأشعات كتير جداً ومافيش حد عارف يوصل لتشخيص حالتي.”
قلبت أوراق التحاليل اللي جايباها،
معظم التحاليل كويسه جداً بس لاحظت إن تحليل الكالسيوم في الدم “مرتفع”…
بس مفيش حد فكر يسأل: “ليه بيعلى؟”
سألتها عن التاريخ المرضي بتأنّي.
قالت إنها بتشتكي كمان من:
تعب عام،
إمساك ،
عطش متكرر،
دخول حمام البول كتير،
ونوبات صداع ملهاش سبب واضح،
وكمان حصوات في الكُلى حصلت مرتين قبل كده!
إحساس بالاكتئاب
هنا دماغي بدأت “تنور”
حصوات في الكلى اتكررت+ كالسيوم عالي + وجع عضم = دي مش مجرد هشاشة.
سألتها سؤال بسيط جدًا:
> “بتلاحظي ضعف في العضلات؟ أو ساعات تحسي إنك مش قادرة تطلعي السلم؟”
ردّت وقالت: “ده أكتر حاجة مضايقاني!”
العلامة دي كانت المفتاح
قلت في سري: “دي شكلها فرط نشاط الغدة الجار درقية.”
طلبت منها تحليل Parathyroid hormone (PTH)،
وتحليل كالسيوم Ionized Calcium،
وفوسفور، ووظائف كُلى، وفيتامين D.
النتائج وصلت بعد يومين…
الكالسيوم عالي فعلًا، والفوسفور منخفض،
والـ PTH طالع في السما
مافيش شك. التشخيص واضح جدًا: فرط إفراز الغدة الجار درقيه Hyperparathyroidism
قعدت أوضحلها بهدوء:
“بصي يا مدام، ورا الغدة الدرقية اللي في الرقبة فيه أربع غدد صغيرة جدًا كل واحده منهم بحجم حباية الرز اسمهم الغدد الجار درقية.
دول مسؤولين عن توازن الكالسيوم في الجسم.
لما واحدة فيهم تشتغل أكتر من اللازم، تبدأ تطلع الهرمون بتاعها بزيادة،
فتخلي العضم يفرّغ الكالسيوم إللي فيه ويرميه في الدم…
وساعتها الكالسيوم في الدم يعلى، والعضم يضعف، والمريض يحس بكل الأعراض اللي انتي اشتكيتي منها.”
قلت لها كمان:
“علشان كده كنتي بتحسي بالعطش والوجع العام والحصوات،
لأن الكالسيوم الزايد بيأثر على الكلى، وبيزود إدرار البول.”
طلبت لها سونار على الرقبة ومسح نووي (Sestamibi scan)،
والنتيجة كانت مؤكدة — غدة جار درقية واحدة متضخمة في الجهة اليسرى.
بعد ما عرضت حالتها على الجراحة،
اتعملت العملية واستُئصِلت الغدة المتضخمة.
وفضلنا نتابع الكالسيوم بعدها يوم بيوم…
والعجيب إن التعب اللي كان معاها سنين بدأ يختفي بعد أسبوعين بس!
وبعد شهر رجعتلي العيادة من يومين بتقولي “أنا مش مصدقة نفسي يا دكتور، أول مرة من سنين أحس إن جسمي مش بيوجعني أوي طول الوقت زي زمان وكمان كل الأعراض اللي كنت بشتكي منها اختفت.”
سبحان الله مشكلتها كانت في غدة صغيرة جدًا…
لكن كانت مدمّرة حياتها كلها.
الحقيقة إن فرط نشاط الغدة الجار درقية مرض ماكر جدًا،
بيخدع حتى الأطباء لأنه بيظهر في صورة أعراض عامة:
تعب، اكتئاب، هشاشة، إمساك، عطش، أو حصوات.
لكن الطبيب اللي دماغه مدرّبة…
بيفهم إن وراء الأعراض دي “خيط مشترك” لازم يتسحب للنهاية.
وده اللي بحبه في مهنتي…
إني مش بس أكتب دواء،
لكن أدور على السبب اللي مستخبي،
وأرجّع للعيان حياته… مش بس صحته. ❤️
منقول عن
د/ أحمد عبد الجواد