19/08/2025
#مفتاح إدارة الكراهية
بقلم دكتورة سميرة أبو غزالة
أستاذ علم النفس الإرشادى – كلية الدراسات العليا للتربية - جامعة القاهرة
يشير العلم إلى أن الكراهية نوعا من المشاعر واسعة الانتشار وتعمل داخل المجموعات وتتجه خارجها من أمة لأمة، وكذا تعمل بين بعض المجموعات والبعض الآخر، وهى موجودة أيضا داخل العائلات وبين الأزواج. وأنها تحدث بشكل اندفاعى ، وتبدو فى أحيان حادة فى شدتها وفى أحيان أخرى تكون مقصورة على الشيئ غير المألوف كما يحدث بين الجيران فى بعض الأحيان.
وهنا أنوه إلى؛ أنه فى بعض الأحيان يمكن صقل الكراهية ورعايتها من قبل الشخص نفسه أو من قبل قوى خارجية مثل النخب السياسية ليجعلوا هؤلاء الأشخاص يقوموا بأعمال قذرة بدلا عنهم. وأنها تتجه فى بعض الأحيان لجنس بعينه.
وعلى أية حال فالكراهية قد تكون أو لا تكون كامنة فى البشر، وقد تكون أو لا تكون نتيجة الفشل أو الإصلاح. وهى موجودة لأى سبب من الأسباب، وقد تكون أحيانا شعورا صادقا، ولكن هذا لا يعنى أن يسمح لها أن تبقى بلا منازع.
وهذا يتفق مع ما أشارت إليه لـــــــــــ Judith Butler, 2004 فى كتابها المعنون بـــــــــــــ precarious life) ) :"إن حقيقة المعاناة الهائلة لا تبرر الانتقام أو تجيز العنف، ولكن يجب أن يتم تعبئتها فى خدمة سياسية تسعى لتقليص المعاناة بشكل شامل، وهذا يتطلب أن نعرف حرمة الحياة وقداستها لكل أشكال الحياة"
فمهما كان محدث الكراهية (فهى تنشأ غالبا من الجرح والأذى الذى يكون عاناه الشخص، وأحيانا تكون استجابة منطقية وشرعية مجازة لموقف مفعم بالكراهية أو مجموعة من الأفعال ارتكبها الآخرون)، فنحن بحاجة لأن نفحصها لنرى إلى أين تصل بنا وما الذى يمكن أن يحدث معها أو بدونها.
وهذا يتطلب معرفة أسباب الكراهية.
وبمراجعة الأدبيات النفسية للكراهية اتضح أن هناك إطاريين يتم فى ضوءهما تفسير الكراهية، أولهما: يرى أنها تكوينية المنشأ حقيقة جوهرية فى الطبيعة البشرية ويمكن تفسيرها من الناحية البيولوجية. وثانيهما: أنها استجابة لما يسمى بـــــــــ " الفشل البيئى".
وخلافا للإطارين السابقين أرى أن الله سبحانه وتعالى خلقنا على الفطرة الطيبة التى تحمل الثقة نحو الآخر، إلا أن المعاملة الفعلية التى يتلقاها الشخص فى بيئته هى التى تقف وراء الكراهية لديه. فهى نوع من الاستجابة للصدمات مثل التعرض للجرح والأذى والذى يحاول الشخص فيما بعد إلحاق ما وقع عليه من ضرر بالآخرين، وهلما جرا وهذا ما يفسر انتشار العنف فى مناطق كثيرة من العالم.
وانطلاقا من؛
1.الآثار الضارة للكراهية على الأفراد والمجتمعات ( فكبت الكراهية لأنها متعبة على المستويين النفسى والاجتماعى تكون نتيجته أنها تأكل الشخص والنظام الذى تسكنه فتنفجر من وقت لآخر بشكل خبيث وسام، وذلك بسبب عدم تقبلها أو حتى التعامل معها وتخطيها).
2. من أن صدق المشاعر طريقة جيدة لتوليد علاقات متينة وذات معنى.
لذا؛ فكما وأن جميع المشاعر تحتاج للإعتراف بها وإدارتها والتعامل معها، فكذا الكراهية تحتاج إلى الاعتراف بها وإدارتها والتعامل معها، بل والتعبير عنها بشكل ملائم.
ولا يعنى الاعتراف بمشاعر الكراهية وإدارتها والتعامل معها، بل والتعبير عنها بشكل ملائم أنها تكون مقبولة دائما، وليست شيئا نفخر به ، إلا أنه فى الأوقات التى يتم فيها اعتبار الكراهية موضوعية (بمعنى أنها استجابة لشيئ حقيقى فى العالم الخارجى. فلنقل أن حادث ما قد حدث، هذا الحادث قد يجعل من الدافع الملح للانتقام والأخذ بالثأر شيئا مفهوما، فهذا الحادث قد أيقظ الكراهية. هذه الكراهية وقفت فى طريق العدالة لأنها سممت قدرة الناس على التفكير بوضوح وأمانة، مما أدى إلى اختلال التوازن فى عملية تتطلب تفكيرا نزيها منصفا عقلانيا) فإنها لا تكون مجازة فقط وإنما تكون ضرورية.
ولكن كيف لنا أن ندير مشاعر الكراهية؟
وأولى خطوات إدارة الكراهية هى: مراقبة مشاعرنا الخاصة، التى تمكننا من المعرفة بذواتنا فتسهل التحكم بها، ومقاومة أن نكون مغمورين بتلك الكراهية وكذا إتاحة المجال لتلقى الخدمة العلاجية.
يليها عدم الخوف من الكراهية فهى ليست بحاجة لإضافة شرعية عليها أو أن يتم استخدامها لإجازة العنف الذى يتم التعبير عنه غالبا تحت اسمها. فكما أشار Winnicott إلى أن الفرد يستطيع أن يكره ويظل إنسانا دون أن يعامل الكراهية على أنها سمة غالبة مسيطرة على الحالة الإنسانية.
يضاف لما سبق، ووفقا للإطار التفسيرى الثانى أنه يمكننا إدارة الكراهية عن طريق تقديم خبرات أفضل، أو نوع من العلاج الإصلاحى لتعويض الصدمة التى عايشها الشخص أو الإجباط الذى شعر به.