29/05/2023
نعتمد كلنا على مجالات حياتية محددة لتقييم أنفسنا، حيث نستمد تصورنا لقيمتنا من طريقة أدائنا في هذه المجالات و مدى إحساسنا بالانجاز فيها. فإذا حققنا ما نعتقده نجاحا في المجالات الحياتية المهمة بالنسبة لنا (النجاح في الدراسة، العلاقة الزوجية، تربية الأولاد، العلاقات الاجتماعية، العمل…الخ) سنشعر بالانجاز و سيكون تقييمنا لذواتنا تقييما إيجابيا تزيد بها قيمتنا لأنفسنا. يحدث المشكل عندما يختل تقييم أنفسنا من خلال إعطاء أهمية قصوى لمجال حياتي واحد دون المجالات الأخرى فيصبح المصدر الأساسي في تقييم النفس، حيث تبين البحوث و كذا الممارسة الاكلينيكية ان هذا الافراط في الاعتماد على مجال واحد في تقييم الذات قد يكون سببا في اضطرابات نفسية متعددة مثل الاضطراب الاكتئابي الكبير (major depressive disorder), السمنة (obesity), اضطراب تشوه الجسم(body dysmorphic disorder), اضطرابات الأكل (eating disorders), مشاكل في العلاقات الزوجية، إدمان تعاطي المواد المخدرة، الانتحار…الخ. المشكل مع مثل هذا الاعتماد المفرط فيه على مجال واحد أن الشخص يستمد نظرته لقيمته الكلية من مدى نجاحه أو فشله في ذلك المجال (كأن تكون الدراسة، أو العمل في مؤسسة معينة، أو المظهر الخارجي، أو علاقة ما…الخ) الشيء الذي يؤدي به إلى تهميش مجالات حياتية أخرى مهمة فإذا فشل في هذا المجال البالغ الأهمية لديه يؤدي ذلك إلى انهيار تام لقيمته الذاتية (طبعا كما يتصورها هو حينها) و يصبح عرضة إلى مشاعر حادة مثل الاكتئاب، الغضب، الشعور بالخزي، الإحباط، الشعور بالعجز، اليأس، و قد ينخرط في سلوكات يحاول بها الحفاظ على تقييمه الايجابي لنفسه و تجنب انهيار قيمته الذاتية. استراتيجيتنا في التعامل مع هذا الاختلال في تقييم الذات في العلاج المعرفي السلوكي هو التقليص من درجة الأهمية البالغة المعطاة لمجال دون آخر و مساعدته على تحسين و تعزيز الأهمية الشخصية لمجالات حياتية أخرى للتقييم الذاتي من خلال تثقيفه حول مفهوم التقييم الذاتي المجرد بطريقة ملموسة من خلال الاستعانة بالمخطط الدائري (pie-chart)، يكون هذا المخطط الدائري للتقييم الذاتي تمثيلا بصريا للأهمية المفرطة التي يعطيها المريض لمجال ما، و قد لاحظت تفاجأ الكثير من المرضى حينما يرون المبالغة في الاهتمام بمجال ما مجسدا في التخطيط الدائري. نستخدم بعد هذا التمثيل البصري للتقييم الذاتي في استخراج مزايا و عيوب هذا الاعتماد على مجال واحد على المريض كما يتم التعرض للسلوكيات التي يرمي بها المريض الى الحفاظ على القيمة الذاتية المستمدة من ذلك المجال أو تجنب انهيار هذه القيمة الذاتية. كثيرا ما نصادف مثل هذه الاختلال عند الأطفال و المراهقون و الشباب الذين يولون هذه الاهمية القصوى لمجال ما (مثل الدراسة او العلاقات، أو المظهر الخارجي) و لذلك نحاول في عيادتنا ان ننبه الآباء الى ضرورة تنويع تعريض أبناءهم لخبرات متنوعة من خلال تشجيعهم لانخراط أبنائهم في أنشطة أخرى غير الدراسة، مثل ارتياد المسجد، ممارسة الرياضة، الانخراط في جمعيات العمل التطوعي (مثل الكشافة الاسلامية)، تنمية مهاراتهم و مواهبهم الخاصة في الاشغال اليدوية و غيرها (مثلا الرسم، الطرز، الخياط، النجارة…) و حثهم على إقامة علاقات اجتماعية في هذه البيئات المختلفة حتى لا ينحصر تقييم الذات عند الاطفال و الشباب على مجال واحد دون آخر.
نجاة عكنوش
عيادة نفسية متخصصة في العلاج المعرفي السلوكي.