03/11/2025
يبدو أن الإنسان المعاصر يعيش في حالة ترقب دائمة، كأن حياته الحقيقية ستبدأ عندما تصل لحظة أخرى. حتى في أبسط المواقف اليومية، يسبق الذهن الزمن، ينظر لما بعد الآن، يقيّم كم سيمر من الوقت، ويتعامل مع اللحظة الحالية كعبور ثقيل نحو لحظة أفضل أو أسهل أو أخف.
هذا ليس عيبًا فرديًا، بل سمة بشرية جماعية. العقل مشدود إلى المستقبل، يعتقد أن الراحة هناك، أن الاكتمال سيحدث لاحقًا، فينسى أن ما بين يديه هو الحياة ذاتها، لا مقدمة لها.
التحرر لا يبدأ بمحاولة السيطرة على التفكير أو إجبار النفس على الحضور، بل يبدأ برؤية هذه الحركة الذهنية كما هي، بصفاء ودون مقاومة. مجرد الانتباه إلى أنّ الذهن يهرب يكشف مساحة داخلية أوسع، ويخلق لحظة وعي.
يمكن لكل شخص أن يمنح نفسه فعلاً واحدًا يوميًا يُعاش بحضور كامل. قد تكون صلاة، قراءة صفحة، ترتيب مساحة صغيرة، ريّ نبتة، أو حتى الجلوس بهدوء لدقيقتين. ليس الهدف إنجازًا خارجيًا، بل العودة إلى الإحساس بالآن كما هو، بلا استعجال للحظة التالية.
الحضور ليس مشروعًا مستقبليًا، ولا مهارة مثالية نبلغها مرة واحدة. إنّه عودة صغيرة ومتكررة إلى هذا النفس، هذه الخطوة، هذا الشعور. حين تُعاش لحظة واحدة بصدق، يتبدد وهم أن الحياة تنتظر في مكان آخر. الحياة هنا، وتبدأ دائمًا من الآن.