24/11/2025
“نايم عليها في الأرض وبيخنقها…
روحها كانت هتطلع في إيده…
الغل في وشه وهو بيخنقها…
عمري ما هنسى المنظر ده"
ده نفس الكلام اللي قالته مروة جوة عيادة الطبيب النفسي
لما راحت تزور الدكتور في العيادة وحكيتله عن مشهد صادم من طفولتها بين أمها وأبوها ... وبعدها قالت
كلام ملوش لازمة كرمشتله القرشين وخلاص
وانتصرت عليها المقاومه ذي أغلب الناس ومكملتش طريق العلاج
وبعد كام يوم… مثلت نفس المشهد في الحقيقة مع صلاح — نفس المشهد بالحرف، بس المرة دي هي مكان أمها… وصلاح مكان أبوها
والطفلة اللي جواها واقفة بتتفرج… مرعوبة… ساكتة
الإيد اللي كانت بتخنق أمها زمان… بتخنقها هي
النظرة اللي رعبتها وهي طفلة… شافتها تاني وهي ست — بس المرة دي من زاوية المفعول به بدل من الشاهد
مروة ما انجذبتش لصلاح علشان حبته
مروة انجذبت له لأن جهازها العصبي شاف فيه “بطل” قصتها
نفس العنف، نفس الغضب، نفس نظرة العين اللي فيها كره وقسوة
نفس الهيبة اللي شكلها أمان… وهي في الأصل تهديد
و يمكن كمان يكون نفس اللي اتعمل في صلاح من ابوه و هو طفل ، هو نفسه اللي اتعمل في ابوها!
لما الألم يبقى مألوف… بيبقى شبه أمان
لأنه بيكمّل المشهد
المشهد اللي جواها كان مستني الممثل اللي لايق على الدور ولما جه… اللاوعي فتح له الباب وقال لها
“هو ده بطل القصة… كمّلي مشهد أمك زمان"
هل دي صدفة؟
للأسف لأ
ده علم… ده اللاوعي… ده “قدر نفسي” بيعيد نفسه بالحرف
لما طفل يشوف مشهد بالشراسة دي في الطفولة، المشهد بيتحفر في ذاكرته العصبية و يتحول لـ “سكريبت”… ويقعد مستني اللحظة اللي يرجعك لنفس الوجع، بنفس الدقة وبنفس النهاية
العقل الواعي بيكبر ويقول
«أنا مستحيل أعيش ده»
لكن العقل اللاواعي قاعد في الضلمة… بيقوله "هنشوف "
اللاوعي استحوذ عليها علشان يحقق نبوءة قديمة قايمة على مبدأ الولاء الخفي للأم
البنت اللي شافت أمها بتتهان أو بتتأذى، مهما حاولت تهرب أو تتجنب نفس المصير… هتلف تلف و ترجعله
لأن ده مش قرار عقلي… ده جرح عصبي اتخزن في جسمها
كأنها بتقول لأمها
“أنا معاكي يا أمي… حتى في الوجع.”
بس أنا هبقى ست قوية علشان اقدر احمي نفسي
و المفارقة هنا ان مروة ما اتقتلتش لأنها ضعيفة…
مروة اتقتلت لأنها بقت أقوى من إن صلاح يقدر يتحكم فيها
بقت ست أقوى و أخطر من أي راجل
اللي خوفه قوتها و فقده للسيطرة قدامها
تهديداتها
جرأتها
قدرتها إنها تقدر تقلب حياته في لحظة
مروة — بدون ما تقصد — كسرت الصنم اللي بناه عن نفسه
و كأنها بتديله كل الأسباب علشان يموتها
خسر بيته ومراته وأولاده، هددته بالسجن والفضيحة، ما حاولتش تأمّن نفسها ولا حتى قالت إن فيه نسخة تانية من الورق بالرغم من انها عارفة جرائمه
كأنها بتقوله:
“اقتلني… مليش دية"
وده مش اختيار… ده اللاوعي بيدفعك للحافة علشان يكمّل نفس النهاية بدون اي وعي او ادراك
و كأنك روبوت بتمثل مشهد محفور جواك و انت فاكر نفسك بتعمل العكس
وهنا الحقيقة المرعبة
أحياناً… من كتر ما بنحاول نحمي نفسنا من الألم،
بنمشي من طريق عكسه تماما … بس للأسف بيوصلنا لنفس المصير .
اللي حصل لمروة في المسلسل نموذج واضح للدائرة المرعبة اللي أي حد فينا ممكن يقع فيها
تهرب بكل قوتك من مشهد طفولتك… وتلاقي عقلك بيرجعك لنفس السيناريو
وده اللي بيطلق عليه
إعادة التمثيل القهري — Repetition Compulsion.
تهرب من النهاية؟ ترجَع تعيشها
تكره الوجع؟ تنجذب ليه
تدور على الأمان؟ تجري على الخطر…
علشان الخطر هو اللغة الوحيدة اللي دماغك فاهمها.
ولما توقف قدّام المراية وتقول:
“إزاي وصلت هنا؟”
الإجابة في كلمات كارل يونج
“Until you make the unconscious conscious,
it will direct your life, and you will call it fate"
«حتى تجعل اللاوعي واعياً، سيظل يسيطر على حياتك وستسميه قَدَراً.»
لحد ما نكشف اللاوعي… هيسحبنا جوة نفس الحكاية ونفس النهاية اللي اتزرعت جوانا وإحنا أطفال
الصدمة مش بتموت
الصدمة بترجع، تفتح الباب، وتعيد المشهد — الحركة، الزاوية، والوجع
لحد ما تواجهها… وتفك العقدة
ولما أقول “تفك العقدة”… مش مجرد كلام و فضفضة
الإدراك هو أول خطوة
لكن الشفاء لازم يمرّ بالجسد
بالبكاء، بالاهتزاز، بالتفريغ، بإعادة التنظيم العصبي، وبالتدريب العملي على نمط العلاقات وتغيير الاستجابة،
بالعلاقات الآمنة اللي بتعمل تجربة تصحيحية تغير نموذج العلاقة الأولى المعطوبة
الهروب ما بيعالجش
النسيان ما بيمسحش
والصدمة هتفضل تلف وتصرّخ… لحد ما تسمعها و تعيد سرد قصتك من زاوية الناجي مش من زاوية الضحية
ركز في أكتر حاجة خفت منها ورفضتها…
هتلاقيها اتكررت في حياتك، يمكن بتفاصيل مختلفة… لكن بنفس المعنى
ولكل أب وأم…
فيه لحظة واحدة ممكن تسيب أثر جوّه ولادكم يفضل العمر كله
لحظة يمكن تعدّي عليكم انتم عادي … بس هتعيش جواهم سنين
اللحظة دي هي اللي بتختار لهم شركائهم…
وبتكرر لهم نفس أوجاعكم…
وبتكتب نهايات ما يستحقّوهاش
إنتوا مش بس بتربّوا طفل
إنتوا بتبنوا جهازه العصبي
وبتكتبوا سكريبت حياته
وبتحطّوا البصمة الأولى اللي هتفضل معاه لحد ما حد يفكّها
فلو حصلت اللحظة دي غصب عنكم…
الحقوا ولادكم
عالجوهم
اسمعوهم
غيروا السيناريو قبل ما الزمن يعيده عليهم بنفس الدقة… وبنفس النهاية
لأن البداية كانت عندكم…
لكن النهاية ممكن تكون مختلفة
وعلشان كده… لو قرينا البوست دة وإحنا مركزين مين الجاني ومين الضحية، مين الطيب ومين الشرير…
هنفقد المعنى الأساسي
إحنا هنا مش بنعمل محكمة، ولا بنوزّع أدوار دة سيكوباتي و إلا دي نرجسية
لكن بنفهم إن اللي حصل مش “مشهد بين شخصين”
ده تاريخ عصبي ممتد عبر أجيال
وفي الآخر…
اللي بيدفع تمن الجرح القديم هو آخر واحد في السلسلة
اللي مالوش ذنب… بس وقع في طريق نفس السكريبت اللي اتبنى قبل وجوده بسنين
الحقيقة المؤلمة والبسيطة في نفس الوقت
كلنا ضحايا لضحايا
كلنا بنحمل آثار حد ما اتشافش… حد ما اتعالجش… حد متحبش و حس بالامان وهو صغير
ومافيش تغيير حقيقي بيحصل
إلا لما حد يقف في نص الحكاية ويقول
“الوجع ده لازم يقف عندي أنا…
ومش هيوصل للجيل اللي بعدي"
#الصدمات