24/10/2025
الاضطرابات السلوكية عند الأطفال في مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة (٦ -١٢سنة)
Behavioral disorders in middle & late childhood (6 - 12 years)
تشكل مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة (من ٦ إلى ١٢ سنة) مرحلة حاسمة في النمو النفسي والاجتماعي للأطفال، حيث تبدأ الشخصية في التشكل بشكل أكثر وضوحاً، وتظهر أنماط سلوكية قد تدل على وجود اضطرابات نفسية وسلوكية تحتاج إلى تدخل مبكر. خلال هذه الفترة، يواجه الأطفال تحولات كبيرة في حياتهم تشمل الانتقال إلى المدرسة، وتوسع الدائرة الاجتماعية، وزيادة الضغوط الأكاديمية والاجتماعية، مما قد يؤدي إلى ظهور أو تفاقم بعض الاضطرابات السلوكية.
خصائص النمو في مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة
لفهم الاضطرابات السلوكية في هذه المرحلة، من المهم أولاً استيعاب خصائص النمو الطبيعية:
· النمو المعرفي: تطور مهارات التفكير
المنطقي، والقدرة على حل المشكلات،
ونمو الذاكرة والانتباه
· النمو الاجتماعي: توسع العلاقات مع
الأقران، وتطور مفهوم الصداقة، وزيادة
الوعي بالمعايير الاجتماعية
· النمو الانفعالي: زيادة القدرة على تنظيم
المشاعر، وتطور مفهوم الذات وتقديرها
· النمو الأخلاقي: تطور الضمير والمبادئ
الأخلاقية، وفهم مفهوم الصواب والخطأ
أنواع الاضطرابات السلوكية الشائعة:
١- اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
(ADHD)
يعد من أكثر الاضطرابات شيوعاً في هذه المرحلة، ويظهر في ثلاثة أنماط:
· نمط نقص الانتباه: صعوبة في الحفاظ على
الانتباه، سهولة التشتت، النسيان المتكرر
· نمط فرط الحركة والاندفاعية: التململ
الدائم، صعوبة الجلوس في المكان،
مقاطعة الآخرين
· نمط يجمع بين النمطين السابقين
التأثير: يؤدي إلى صعوبات في التعلم، مشاكل في العلاقات الاجتماعية، انخفاض تقدير الذات
٢- اضطرابات السلوك المعارض (Oppositional Defiant Disorder)
يتميز بنمط من السلوكيات السلبية والعدائية والتحدية، تشمل:
· الميل الجدلي: الجدال المستمر مع الكبار
· التحدي: رفض الامتثال للقواعد والطلبات
· الاستفزاز: إزعاج الآخرين عمداً وإلقاء
اللوم عليهم
· الغضب: نوبات غضب متكررة وسريعة
الانفعال
٣- اضطراب السلوك (Conduct Disorder)
يعتبر أكثر خطورة من الاضطراب المعارض، ويتضمن نمطاً مستمراً من السلوكيات التي تنتهك حقوق الآخرين أو القواعد الاجتماعية، مثل:
· العدوان تجاه الناس والحيوانات: التنمر،
التهديد، الاستخدام المتعمد للأسلحة
· تدمير الممتلكات: إشعال الحراق عمداً،
التخريب المتعمد
· الخداع أو السرقة: اختراق المنازل، الكذب
للحصول على منافع
· انتهاك القواعد: الهروب من المدرسة،
الهروب من المنزل
٤- اضطرابات القلق
تظهر بأشكال متعددة في هذه المرحلة:
· القلق العام: قلق مفرط من مختلف
جوانب الحياة اليومية
· القلق الانفصالي: خوف مفرط من
الانفصال عن figures التعلق
· الرهاب الاجتماعي: خوف شديد من
المواقف الاجتماعية
· نوبات الهلع: نوبات مفاجئة من الخوف
الشديد مصحوبة بأعراض جسدية
٥- اضطرابات المزاج
· الاكتئاب: حزن مستمر، فقدان الاهتمام
بالأنشطة، تغيرات في النوم والشهورة
· الاضطراب ثنائي القطب: تناوب بين فترات
من الاكتئاب وفترات من الهوس أو
hypomania
٦- اضطرابات طيف التوحد
على الرغم من تشخيصها عادة في سن مبكرة، إلا أن بعض الأعراض قد تظهر أو تتفاقم في مرحلة الطفولة المتوسطة، خاصة في المجالات الاجتماعية والتواصلية.
٧- اضطرابات التعلم
صعوبات في اكتساب المهارات الأكاديمية الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب، رغم وجود ذكاء طبيعي أو فوق الطبيعي.
العوامل المسببة للاضطرابات السلوكية
العوامل البيولوجية
· الوراثة: وجود تاريخ عائلي للاضطرابات
النفسية
· خلل في كيمياء الدماغ: عدم توازن في
النواقل العصبية
· الإصابات الدماغية: تعرض الدماغ
لإصابات أو التهابات
· تعاطي الأم للمواد الضارة أثناء الحمل
العوامل النفسية والاجتماعية
· أساليب التنشئة الأسرية: القسوة المفرطة
أو الحماية الزائدة أو الإهمال
· المشاكل الأسرية: الطلاق، العنف الأسري،
التفكك الأسري
· التعرض للصدمات: الإيذاء الجسدي أو
الجنسي أو العاطفي
· ضغوط مدرسية: صعوبات التعلم، التنمر،
الضغوط الأكاديمية
· العوامل الاقتصادية: الفقر، سوء السكن،
الحرمان
تأثير الاضطرابات السلوكية على حياة الطفل:
على المستوى الأكاديمي:
· تدني التحصيل الدراسي
· صعوبات في التركيز والانتباه
· تجنب المهام المدرسية
· مشاكل سلوكية في الفصل
على المستوى الاجتماعي
· صعوبات في تكوين الصداقات والحفاظ
عليها
· العزلة الاجتماعية أو النبذ من قبل الأقران
· المشاركة في سلوكيات منحرفة مع أقران
سلبيين
على المستوى النفسي
· انخفاض تقدير الذات
· زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق
· صعوبات في تنظيم المشاعر
· تطور مشاعر سلبية تجاه الذات
والمستقبل
التشخيص والتدخل:
عملية التشخيص
تشخيص الاضطرابات السلوكية يتطلب:
١- التقييم الشامل: جمع المعلومات من
مصادر متعددة (الأسرة، المدرسة،
الطفل)
٢- الملاحظة المباشرة: ملاحظة سلوك
الطفل في بيئات مختلفة
٣- استخدام المقاييس والمعايير
التشخيصية المعتمدة
٤- استبعاد الأسباب الطبية التي قد تسبب
الأعراض
٥- تقييم شدة الاضطراب وتأثيره على حياة
الطفل
أساليب التدخل والعلاج
التدخلات النفسية والسلوكية
· العلاج السلوكي: تعديل السلوك من خلال
التعزيز الإيجابي والسلبي
· العلاج المعرفي السلوكي: تغيير أنماط
التفكير المشوهة والسلوكيات المرتبطة
بها
· العلاج الأسري: تحسين التفاعلات الأسرية
وتدريب الوالدين على أساليب تربوية
فعالة
· العلاج الجماعي: تطوير المهارات
الاجتماعية في إطار جماعي
التدخلات الدوائية
· مضادات الاكتئاب: لعلاج الاكتئاب والقلق
· المنشطات: لعلاج اضطراب فرط الحركة
ونقص الانتباه
· مثبتات المزاج: لعلاج الاضطراب ثنائي
القطب
· مضادات الذهان: للسلوكيات العدوانية
الشديدة
التدخلات التربوية
· خطة التعليم الفردي: توفير دعم تعليمي
مخصص حسب احتياجات الطفل
· التعديلات البيئية: تكييف بيئة الفصل
لتلائم احتياجات الطفل
· برامج الدعم الأكاديمي: تقديم مساعدة
إضافية في المواد الدراسية
دور الأسرة والمدرسة في التعامل مع الاضطرابات السلوكية
دور الأسرة:
· التعليم والوعي: فهم طبيعة الاضطراب
وأعراضه وطرق التعامل معه
· وضع حدود واضحة ومتسقة: قواعد
منزلية واضحة مع عواقب متسقة
· التعزيز الإيجابي: مكافأة السلوكيات
الإيجابية بدلاً من التركيز فقط على
السلبيات
· توفير بيئة داعمة: خلق جو عائلي آمن
ومتفهم
· المشاركة في العلاج: التعاون مع
المعالجين وتطبيق استراتيجيات العلاج
في المنزل
دور المدرسة
· التدخل المبكر: التعرف المبكر على
العلامات التحذيرية للاضطرابات السلوكية
· توفير الدعم الأكاديمي: تكييف المناهج
وطرق التدريس حسب احتياجات الطفل
· برامج تعزيز المهارات الاجتماعية: تدريس
المهارات الاجتماعية بشكل مباشر
· التواصل مع الأسرة: قنوات اتصال مفتوحة
مع أولياء الأمور
· خلق بيئة مدرسية داعمة: تعزيز ثقافة
الاحترام والتفهم بين الطلاب
استراتيجيات الوقاية من الاضطرابات السلوكية
١- التربية الإيجابية: استخدام أساليب
تربوية تقوم على الاحترام والتفاهم
٢- تعزيز المهارات الاجتماعية: تدريب
الأطفال على حل المشكلات وإدارة
الغضب
٣- بيئة أسرية مستقرة: توفير جو عائلي آمن
ومستقر عاطفيا
٤- مراقبة استخدام التكنولوجيا: الإشراف
على المحتوى الذي يتعرض له الطفل
ووقت الشاشات
٥- تعزيز الصحة النفسية: الاهتمام بالصحة
النفسية كجزء أساسي من الصحة العامة
تعتبر الاضطرابات السلوكية في مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة تحدياً كبيراً للأطفال والأسر والمجتمع، لكن مع التشخيص المبكر والتدخل المناسب، يمكن التخفيف من آثارها السلبية ومساعدة الأطفال على تحقيق إمكاناتهم الكاملة. يتطلب النجاح في التعامل مع هذه الاضطرابات نهجاً شاملاً يشمل الأسرة والمدرسة والمختصين، مع التركيز على فهم احتياجات الطفل الفردية وتوفير الدعم المناسب لها. الأهم من ذلك، يجب أن نتذكر أن الأطفال المصابين باضطرابات سلوكية ليسوا "أطفالاً سيئين"، بل هم أطفال يعانون من صعوبات تحتاج إلى فهم ودعم وعلاج متخصص