30/11/2025
تشير العلوم النفسية إلى أن التجارب البيئية التي يمرّ بها الفرد في الطفولة خصوصاً في السياقات الأسرية والاجتماعية تعمل كأساس أولي يبني عليه الدماغ تصوراته عن العلاقات. فالخبرات المبكرة تُشكّل ما يُعرف بـ الخرائط المعرفية والانفعالية وهي أنماط داخلية يستخدمها الشخص لاحقاً لتفسير سلوك الآخرين وتوقّع نواياهم وبمرور الوقت، تصبح هذه الخرائط مرجعاً ثابتاً يعتمد عليه الفرد في فهم التواصل، التعبير العاطفي والبحث عن الأمان.
كما يقوم الدماغ بدمج خبرات الطفولة ضمن شبكات عصبية تتحكم بطريقة الاستجابة للمواقف. فإذا نشأ الفرد في بيئة تتسم بالأمان، يتطوّر لديه ميل إلى قراءة المواقف بشكل متوازن والقدرة على تهدئة الذات. أما إذا كانت التجارب الأولى مرتبطة بعدم استقرار أو نقد أو إهمال، فقد تتنشّط لديه أنماط انفعالية أكثر حساسية أو دفاعية. بالتالي يصبح تفسيره للضغوط اليومية مشحوناً بخبرات سابقة، حتى لو لم تكن الظروف الحالية تهديدية.
حيث تُظهر النظريات النفسية كالتعلّق ونماذج التنظيم الذاتي أن الطفل يتعلم حدوده من خلال طريقة تعامل البيئة معه فإذا تلقّى احتراماً لخصوصيته واحتياجته، يطوّر لاحقاً قدرة على وضع حدود واضحة صحية وغير مشحونة بالذنب. أما إذا كانت بيئته غير متسقة أو متعدّية فقد يكبر وهو يخلط بين القرب والاندماج الزائد، أو بين الحماية والسيطرة، ممّا يؤثر على توازنه في العلاقات الراشدة. ومع الزمن، تتحول هذه الحدود—المرنة أو المهزوزة—إلى نمط تلقائي يدير به الفرد علاقاته دون وعي مباشر .