12/12/2025
🇩🇪
من أكثر الصور اللي بفتخر فيها خلال رحلة الاختصاص في ألمانيا…
في أحد أيام عملي في قسم العيون في مستشفى هايدلبرغ الجامعي 2016, حين كنت طبيبًا مقيمًا مساعدًا لرئيس القسم،
دخلت السكرتيرة بهدوء وقالت:
دكتور سويد، في عنا اليوم مريض VIP!
أخذت الملف،
وخرجت أنادي المريض.
كان رجلًا في الثمانين من عمره،
يجلس في غرفة الانتظار،
يمسك جريدة،
ويقرأ… بهدوء كامل،
كأن الوقت لا يعنيه،
وكأن الانتظار لا يزعجه.
ناديت عليه، تعرّفنا،
وتحدثنا ببساطة:
لماذا جاء؟
ما هدف الزيارة؟
أسئلة روتينية بنسألها للمرضى …
لا تحمل أي شيء استثنائي.
دخلت بعدها إلى رئيس القسم.
وعلى غير عادته،
نهض بسرعة،
وكان في اهتمام واضح
لم أعهده كثيرًا.
بعد خروج المريض،
سألني:
هل تعرف من هذا الشخص؟!
أجبته: لا.
فقال بهدوء،
لكن بنبرة تحمل العتب اني لا أعرف هذا الشخص:
Prof. Dr. Harald zur Hausen
الحائز على جائزة نوبل في الطب 2008
في تلك اللحظة،
لم أُصدم فقط لأنني أمام عالمٍ كبير،
بل لأن هذا العالِم
كان قبل دقائق
يجلس بهدوء،
مثل أي إنسان عادي جدًا،
لا يحاول إظهار نفسه،
ولا إنجازاته،
ولا ألقابه للناس،
وكان يجيب على أسئلتي بجدية،
كأن أهم ما في المكان
ليس اسمه…بل صحته.
بعد انتهاء الزيارة،
استسمحته كوني لم اعرفه
وطلبت صورة معه.
ابتسم،
ورحّب،
وتصوّر معي
بإنسانية خالية
من أي ثقل للألقاب.
قرأت عنه أكثر،
واكتشفت أن أبحاثه عن فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) بدأت منذ الثمانينيات،
ومع ذلك لم يحصل على جائزة نوبل إلا عام 2008،بعد سنوات طويلة من الاكتشاف والصبر،
والإيمان بالفكرة والعمل بصمت.
حينها فقط فهمت:
العِلم الحقيقي لا يصرخ،
والعظماء لا يعلنون عن أنفسهم،
والقيمة الحقيقية للإنسان
لا تُقاس بعدد الجوائز،
بل بمدى تواضعه
وهو يحملها.
ذلك اليوم
لم يكن مجرد يوم دوام عادي في مستشفى…
كان درسًا لا ينسى في الحياة.
قبل أيام،
عرفت أنه رحل عن الدنيا،
لكن فكرته بقيت،
وبقي أثرها…
لقاحات أُنتجت،
وأنقذت ملايين الناس
من أمراض خطيرة.