21/09/2025
تساؤلات حول الضنك
لماذا لا تحمي الإصابة دوما؟
الضنك ليس فيروسًا واحدًا متجانسًا، بل أربعة أنماط مصلية متقاربة جينيًا ومختلفة مناعيًا: DENV-1 وDENV-2 وDENV-3 وDENV-4 . العدوى بأي واحدٍ منها تُشبه ضيفًا يطرق الباب بثيابٍ مألوفة لكن بمفاتيح مختلفة؛ تبدو الزيارة واحدة، لكنها ليست الشيء نفسه من جهة المناعة لاحقًا.
المبدأ المناعي الأهم هنا واضح: من يُصاب بأحد هذه الأنماط يكتسب عادةً مناعةً طويلة الأمد ضد هذا النمط تحديدًا، أمّا الحماية ضد الأنماط الأخرى فقصيرة وعابرة (حوالي شهرين على الأرجح). لهذا قد تمرّ إصابةٌ أولى خفيفة نسبيًا، ثم تأتي إصابة ثانية بنمطٍ مختلف أشد وطأة. يفسّر ذلك بظاهرة تُدعى تعزيز الاعتماد على الأجسام المضادّة (ADE)،وهي ببساطة عبارة عن أجسامٌ مضادّة تشكّلت سابقًا، لكنها لا تُعطِّل النمط الجديد، بل تُسهِّل دخوله إلى خلايا المناعة وتُضاعف تكاثره، فتكون الاستجابة الالتهابية أعنف، والنزف واضطراب الأعضاء أشد احتمالًا. هذا تفسير علمي لسؤال لِمَ قد تكون «الثانية» أخطر من «الأولى» عند بعض الناس.
ولكي نفهم وضع السودان، يكفي أن نتذكر أن البلاد شهدت موجاتٍ متعددة تداولت أكثر من نمط، منها DENV-1 وDENV-2 وDENV-3 في السنوات الأخيرة. فقد حدثت موجاتٍ وبائية متعاقبة امتدّت عبر ولايات عديدة، مع تفاوتٍ ملحوظ في الشدة والوفيات. فمثلا في 23 نوفمبر 2022 أُبلِغ عن 3,326 حالة موزعة على ثماني ولايات مع 23 وفاة، ثم ظهرت تقارير لاحقة بأكثر من 1,400 حالة مُسجّلة في نصف ولايات البلاد. وبداية 2023 سُجِّل 8,673 مُشتبهاً فيه و2,796 مؤكّداً مع معدل إنتشار 4.2 لكل 10,000 نسمة، وتنوّعٍ لافت في الوفيات: 0.7% على مستوى البلد ككل، لكنه وصل إلى 8.2% في ولاية البحر الأحمر و1.1% في شمال كردفان.
هذه الأرقام غالبا لا تعكس الصورة الحقيقية بسبب ضعف نظم التسجيل والسعي للعلاج. معنى ذلك أن نسبةً معتبرة من السكان غالبا تعرّضت لإصابةٍ سابقة وأصبحت مهيّأة – إذا أصيبت بنمطٍ مختلف – لأن تمر بمرحلةٍ أشد. العلم يشرح الظاهرة، لكنه لا يحكم على مصير كل مريض؛ فالفروق الفردية، والزمن الفاصل بين الإصابتين، والحالة العامة، كلها تصنع الفارق