Mohammed Qurashi Abbas

Mohammed Qurashi Abbas خبرة ٢٠ عاما بمجال طب الجلدية والتناسلية وطب التجميل وأمراض الذكورة

الحزاز المتصبغ Lichen Pigmentosus: مثال لمدى أهمية السياق في التشخيصإحدى الاستشارات الأون لاين كانت من مريضة سودانية بال...
29/10/2025

الحزاز المتصبغ Lichen Pigmentosus: مثال لمدى أهمية السياق في التشخيص

إحدى الاستشارات الأون لاين كانت من مريضة سودانية بالولايات المتحدة الأمريكية، تعاني من تصبغات واسعة بالوجه والرقبة لعدة أشهر بدون أن يسبقها احمرار أو حكة، كما أن فحوصات الأمراض المناعية قد أظهرت ارتفاعا ببعض المؤشرات

الدرس الأول الايجابي الذي لفت نظري هو أن الأخصائية هناك قد أخبرتها بوضوح أنها لا تعرف تشخيص حالتها، وخططت لعمل عينة جلدية لاحقا، وهذا ما نفتقده حقا، فمن الطبيعي ألا يصل الطبيب للتشخيص من أول وهلة، ومن الأخلاقي أن يشرك المريض بخططه للتعامل مع حالته، ويجب أن يتقبل المريض حقيقة أن الطب معقد وواسع ويحتاج لتروي ومشوار من التعليل للوصول، بدون أن ينقص ذلك من ثقته بالطبيب

الدرس الثاني هو أن ما يبدو غامضا بمنطقة جغرافية، قد يكون سهلا ومباشرا بمنطقة أخرى. فالصورة المرضية هنا كانت سهلة التشخيص لشيوعها بمنطقتنا، ومع وجود أكثر من ثلاثة آلاف مرض جلدي مبوب، من الطبيعي أن تختلف خبرات الأطباء في ملاحظة الشائع منها بسياقهم المحلي، وهذا يمنح ميزة للعلاج عن بعد بهذه الحالات

الدرس الثالث تابع للثاني، فذلك الفحص المناعي الموجب بالذات، لم يكن لها دلالة مرضية عند الإثنية السودانية، إذ من الطبيعي أن نراه إيجابيا عندنا بدون دلالة سريرية كبيرة، وهذا يصنع فرقا كبيرا في التفكير، إذ كانت تعاني أيضا من تساقط الشعر، وهذا قد يوجه التفكير بالأمراض المناعية كالذئبة الحمراء بدلا عن سببه الحقيقي كنتاج لنقص فيتامين د المكتشف بالفحص أيضا

الطب لا يمارس في فراغ، ويجب تفسير الصورة السريرية والفحوصات على خلفيات من الجغرافيا والتاريخ، وربما لهذا لم يتحول لحوسبة آلية تماثل فقط بين الشكل والتشخيص، رغم أهمية التكنولوجيا في الممارسة الطبية




ملحوظة:
الصورة من مجلة طبية للتوضيح

آفات ما بين الأصابع، خلاصة السلسلة — التشخيص في المساحات الضيقةفي الطبّ، كلّ منطقةٍ صغيرةٍ من الجسد يمكن أن تصبح استعارة...
22/10/2025

آفات ما بين الأصابع، خلاصة السلسلة — التشخيص في المساحات الضيقة

في الطبّ، كلّ منطقةٍ صغيرةٍ من الجسد يمكن أن تصبح استعارةً للعقل السريريّ بأكمله، وما بين الأصابع خير مثال، لقد تكرّر في هذه السلسلة خيطٌ ناظم واحد: أنّ الطبيب الذي يبدأ بالجواب يُخطئ الطريق، بينما الطبيب الذي يبدأ بالسؤال يقترب من الحقيقة.

من هنا جاءت الخوارزمية التشخيصية لا كقائمة من الخطوات، بل كأسلوب تفكير:

1/ الإحساس الذاتيّ: لغة المريض:
- الحكّة الشديدة: تُشير إلى العدوى الفطرية.
- الحكّة الخفيفة أو الغياب الكامل: أكثر توافقًا مع الإريثرازما أو الصدفية.
- الألم بالضغط الجانبي: سمة مميزة للثآليل الفيروسية.
- الحرقة بعد الجفاف: علامة صدفية محتملة.

2/ الحدود والسياق الزمانيّ:
• العدوى الفطرية تميل إلى التوسع البطيء الحلقيّ.
• الإريثرازما تحتفظ بحدودٍ ثابتةٍ ملساء.
• الثآليل تبقى موضعية لكنها عنيدة.
• الصدفية تتذبذب مع الحالة النفسية أو المواسم.

الخوارزمية التشخيصية (Diagnostic Algorithm)

1. ابدأ بالسؤال لا بالنظر:
متى بدأت الآفة؟ هل تتبدّل؟ هل هناك مواضع مشابهة؟

2. افحص بالرؤية والشمّ واللمس:
الرطوبة والرائحة والملمس ليست تفاصيل ثانوية، بل معطيات تشخيصية.

3. اختبر:
o KOH test: يُفرّق الفطر عن الباقي.
o Wood’s Lamp: يكشف الإريثرازما بلونٍ مرجانيّ وردي.
o الضغط الجانبي: يوجع في الثآليل فقط.
o التجفيف: يكشف القشور الخفية في الصدفية.

4. استبعد قبل أن تؤكد:
قاعدة التفكير السريري الذهبيّة:
"كلما بدا التشخيص بديهيًا، تأكّد أنه يحتاج مراجعة."

5. اربط الموضع بالمريض:
السكريّ، السمنة، فرط التعرّق، نقص المناعة، التوتر المزمن — كلها مفاتيح قد تُغيّر اتجاه التشخيص أكثر مما يفعله المجهر.

هذه الخوارزمية ليست تسلسلاً ميكانيكيًا بل تدرّب للعين والعقل معًا؛ فالطبيب الحقّ لا يرى المرض فقط، بل يرى احتمالاته كلها قبل أن يُصدر الحكم.

خلاصة السلسلة
إنّ آفات ما بين الأصابع ليست تفصيلاً جلدياً، بل مختبرٌ مصغّرٌ للمنهج الطبيّ ذاته:
حيث تتشابه المظاهر وتختلف الحقائق، وحيث يختبر الطبيب قدرته على التمييز بين ما يُرى وما يُفهم. لقد رأينا في هذه السلسلة كيف يتحول الجلد — في أضيق مساحة منه — إلى خريطةٍ لأربعة عوالم متباينة وما وراءها، تتلاقى فيها العدوى بالمناعة، والعادات بالسلوك، والمجهر بالفكر.

فالطبيب الذي يتعلّم قراءة هذه المساحة الصغيرة، لن يخطئ قراءة العالم الواسع الذي يشبهها.

آفات ما بين الأصابع، ما وراء الأربعة الكبار  حين يختبئ المرض في التفاصيلمقدمةبعد أن مررنا عبر عوالم الفطر والبكتيريا وال...
22/10/2025

آفات ما بين الأصابع، ما وراء الأربعة الكبار
حين يختبئ المرض في التفاصيل

مقدمة
بعد أن مررنا عبر عوالم الفطر والبكتيريا والفيروس والمناعة، نصل إلى منطقةٍ رمادية لا تنتمي إلى أيٍّ منهم تمامًا، لكنها تحمل ملامحهم جميعًا.إنها الأمراض الأقل شيوعًا في المسافة بين الأصابع — الكانديدا، والتهاب الجلد التماسي، وعدوى البكتيريا السالبة — رباعية الصمت والالتباس.

الكانديدا (Candidal Intertrigo) — الفطر الذي يحب الجسد لا الجلد
إذا كانت تينيا القدم تهاجم الطبقة القرنية الميتة، فإن الكانديدا تفضل الجلد الحيّ الرطب، هي فطرٌ خميريّ الشكل (Candida albicans) يعيش ضمن الفلورا الطبيعية، لكنه يتحول إلى طفيلي حين تختل المناعة أو يزداد البلل.

يبدأ بطفحٍ أحمر لامع، حوافه متآكلة، وحوله بثراتٌ صغيرة تُعرف بـ satellite lesions — العلامة المميزة التي لا تخطئها العين. تزداد شدتها مع لبس الأحذية البلاستيكية أو بعد استعمال مضادات الفطريات القوية لفترةٍ طويلة؛ فحين يُقتل الفطر السطحيّ، تُفسَح المساحة للكانديدا أن تزدهر في العمق.

يُؤكَّد التشخيص بمسحةٍ تظهر فيها خلايا الخميرة بخيوطٍ كاذبة، ويُعالج بمضادات الكانديدا الموضعية مثل Clotrimazole أو Nystatin، مع تجفيفٍ صارمٍ للمنطقة.

لكن الكانديدا ليست عدوى فحسب، بل إشارة خفية إلى ضعفٍ مناعيّ أو سكّريٍّ غير مضبوط.
فحين يُرى هذا الفطر، على الطبيب أن يبحث لا عن الدواء فقط، بل عن السبب الذي سمح له بالعودة من التعايش إلى الغزو.

التهاب الجلد التماسي (Contact Dermatitis) — عندما يصبح العلاج جزءًا من المشكلة
في سعي المريض إلى الشفاء، قد يصنع المرض بيديه دون أن يدري. يستعمل الكريمات العطرية أو مضادات الفطريات القوية أو المطهّرات المكررة، فينهار حاجز الجلد الرقيق بين الأصابع تحت وطأة المواد الكيميائية.

يظهر الطفح حينها بشكلٍ حماميّ متقشر، لاذع، حارق أكثر منه حاكّ، وتزداد شدته مع استمرار استعمال المستحضر نفسه الذي سبّبه.في هذا النمط، لا يكون الجلد مصابًا بعدوى بل مثقلاً بالمعالجة.

الاختبار التشخيصي هو التوقف المؤقت عن كل العلاجات، واستعمال كريمٍ بسيطٍ غير عَطِر مع كورتيزونٍ خفيف. خلال أيامٍ قليلة، يهدأ الالتهاب كمن يعترف بأنه لم يكن بحاجةٍ إلى مزيدٍ من القتال، بل إلى هدنة.

العدوى بالبكتيريا السالبة (Gram-Negative Toe Web Infection) — حين تنقلب البيئة على صاحبها
هذه الحالة نادرة لكنها خطيرة إن أُهملت. تحدث عندما يُفرط في استخدام المضادات الفطرية الموضعية أو تُترك القدم رطبةً لفتراتٍ طويلة، فتتحول بيئة ما بين الأصابع إلى مستعمرةٍ لجراثيم مثل Pseudomonas aeruginosa و Proteus و Serratia.

النتيجة: جلدٌ أبيض رماديّ مبلل، تفوح منه رائحةٌ حادّة تشبه رائحة التراب المبلل، وألمٌ لاذع عند اللمس. أحيانًا تتكوّن تقرحاتٌ صغيرة، أو تتلوّن الآفة بالأخضر المزرقّ، في ما يُعرف بـ Pseudomonas toe web infection.

العلاج هنا حاسم: تجفيف المنطقة، إيقاف كل مضادات الفطريات، واستخدام كمّاداتٍ من خلّ مخفف أو محلول حمض الأسيتيك مرتين يوميًا، مع مضادٍّ حيويّ موضعيّ مثل Ciprofloxacin أو Gentamicin عند الحاجة.
لكنّ الأهم هو فهم الدرس: حين يُعالج الجلد بلا انقطاع، يفقد مناعته الطبيعية ويُستَعمَر بما لم يكن له وجود.

بالحلقة القادمة والأخيرة من السلسلة سنتحدث عن خوارزمية التشخيص وتلخيص لكيفية التعامل مع هذا المظهر الشائع (آفات ما بين الأصابع أو أبوالضباح)

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (3/3)البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocol...
21/10/2025

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (3/3)

البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocols)

العلاج في الصدفية بين الأصابع تحدٍّ مزدوج:
فالموضع ضيّقٌ رطبٌ لا يحتمل المراهم الكثيفة، والمرض مزمنٌ مناعيّ لا يزول بمضادٍّ أو مرهمٍ وحيد. لذا، كان النهج العلاجي في هذا النمط من الصدفية أقرب إلى فنّ التوازن منه إلى الحرب.

1. العلاج الموضعي (Topical Therapy):
الخطوة الأولى هي استخدام كورتيكوستيرويد موضعيّ ضعيف إلى متوسط القوة مثل Hydrocortisone 1% أو Desonide 0.05%، مرتين يوميًا لفترة قصيرة لا تتجاوز أسبوعين، ثم تُخفّض تدريجيًا. الهدف هنا ليس محو الجلد، بل تهدئة المناعة دون إحداث ترقّقٍ في البشرة الرقيقة بين الأصابع.

للمرضى الذين يحتاجون إلى علاجٍ أطول أو أكثر لطفًا، يُعدّ تاكروليموس (Tacrolimus 0.03–0.1%) خيارًا مثاليًا، فهو يُثبّط الالتهاب المناعي دون آثارٍ ضمورية، ويتحمّله الجلد في المناطق الرطبة. يُطبَّق مرة إلى مرتين يوميًا حتى استقرار الحالة، ثم يُستخدم وقائيًا بضع مراتٍ في الأسبوع.

كريمات التوازن القرنيّ (Keratolytics) كحمض الساليسيليك 2% أو اليوريا 10% يمكن استعمالها بلطف إذا وُجدت قشورٌ ظاهرة عند الجفاف، لكن ينبغي تجنّبها في الحالات الرطبة تمامًا.

2. تجفيف البيئة وإصلاح العادات:
الرطوبة الدائمة ليست مجرد عامل مهيّج، بل عدوٌّ للعلاج نفسه. لذا يُنصح المريض بتجفيف المسافة بين الأصابع بعد كل غَسل، واستعمال مناديل ورقية أو قطنية بدل الفوط السميكة. يُفضَّل ارتداء جوارب قطنية قابلة للتهوية وتبديلها مرتين يوميًا في الجو الحار. كما يُنصح بتجنّب الكريمات الزيتية الثقيلة أو المراهم المسدّة للمسام في هذه المنطقة، لأنها تُفاقم الاحتباس.

3. الحالات المقاومة أو الواسعة:
إذا لم تستجب الآفة الموضعية رغم الالتزام بالعلاج، أو وُجدت آفات أخرى في أماكن بعيدة (المرفق، فروة الرأس، الأظافر)، فذلك يعني أن المرض تجاوز الموضع إلى المرحلة الجهازية، ويستحقّ تقييمًا شاملاً. يمكن في هذه الحالات اللجوء إلى العلاجات الضوئية (Narrowband UVB) أو الأدوية الجهازية مثل Methotrexate أو Apremilast أو Biologics (مثبطات IL-17 أو IL-23)، لكنّها تبقى للحالات المتوسطة إلى الشديدة وتحت إشرافٍ دقيق.

التوقعات والمضاعفات (Prognosis and Complications)

الإنذار في الصدفية بين الأصابع جيد جدًا متى أُديرت البيئة ورُوعيت العادات اليومية. فالموضع الصغير يستجيب سريعًا للعلاج الموضعيّ إذا أُبقي الجلد جافًا ونظيفًا، لكن المرض بطبيعته قابلٌ للعودة، لا بسبب خطأ في الدواء بل لأن الذاكرة المناعية لا تُمحى.

قد تعود الآفة في المكان ذاته عند التوتر النفسيّ أو بعد إصابةٍ جلدية بسيطة، فيما يُعرف بظاهرة كوبنر. أما الإهمال المزمن في العناية أو الاستعمال الطويل للكورتيزون القويّ فقد يؤدي إلى ترقّق الجلد (atrophy) أو عدوى ثانوية فطرية أو بكتيرية، فتتداخل الآفات ويختلط الصوت المناعيّ بالضجيج الميكروبيّ.

لهذا، يعلّمنا هذا النمط من الصدفية درسًا مزدوجًا:
أنّ الجلد لا يشفى بالعنف، بل بالرفق،
وأنّ المناعة حين تخطئ الطريق لا تُعاد بالقمع، بل بالإرشاد.

الصدفية بين الأصابع ليست مرضًا معزولًا، بل حكاية مصغّرة عن التفاعل بين الجسد وبيئته — بين الاحتكاك والتوازن، بين الرطوبة والمناعة، بين المظهر الهادئ والجوهر المضطرب. وحين يفهم الطبيب هذا المنطق، يصبح العلاج أكثر من وصفة: يصبح إعادة تناغمٍ بين الإنسان وجلدِه.

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (2/3)الصورة السريرية (Clinical Presentation)في...
21/10/2025

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (2/3)

الصورة السريرية (Clinical Presentation)
في المسافة الضيقة بين الأصابع، لا تتحدث الصدفية بلغة القشور الفضية المعتادة، بل بلغةٍ مختلفة تمامًا. تبدو الآفة هنا ناعمة لامعة بيضاء مائلة إلى الرمادي، سطحها أملس كأن الرطوبة صقلته. لا توجد تلك الطبقات المتراكمة التي تراها على المرفق أو الركبة، ولا ذاك الاحمرار الواضح الذي يفضح المرض في مواضع أخرى.بل إن الجلد يبدو كأنه مصاب بعدوى فطرية بسيطة — وهذا ما يضلّل العين غير المدربة.

غالبًا ما تبدأ الإصابة بإحساسٍ طفيفٍ بالحرقان أو الحكة الخفيفة، يعقبها تشققٌ سطحيّ في الجلد وتآكلٌ رقيقٌ على الحواف. اللون يميل إلى الأبيض المصفرّ، خاصةً في المناطق التي يغمرها العرق لفتراتٍ طويلة. وقد يلاحظ الطبيب وجود شقوقٍ دقيقة على قاعدة الجلد بين الإصبعين الرابع والخامس، تبدو كالجروح الصغيرة الجافة وسط بيئةٍ رطبة، دون إفرازٍ أو رائحة — وهي العلامة التي تُميّزها عن التينيا أو الإريثرازما.

في بعض المرضى، يتبدّل المظهر بين طورين: طورٍ هادئٍ بلا قشور، وطورٍ متقشّرٍ خفيف عند الجفاف — فيبدو المرض كأنه «يستنشق الرطوبة» ويغيّر ملامحه تبعًا لها. تلك المرونة الشكلية هي ما يجعل الصدفية بين الأصابع أكثر الحالات خداعًا في الممارسة السريرية، إذ يمكن أن تُشخّص خطأً كعدوى فطرية مزمنة أو حتى إكزيما تهيّجية.

اللآلئ السريرية والتشخيص (Clinical Pearls and Diagnosis)
1. غياب الرائحة والإفراز:
بعكس الإريثرازما والتينيا، تظلّ الصدفية جافة عديمة الرائحة مهما طالت مدتها، لأن الالتهاب فيها مناعيّ لا جرثوميّ.
2. الحدود الواضحة غير المتآكلة:
الآفة الصدفية ترسم حدودها كخريطةٍ دقيقة، في حين تميل العدوى إلى التآكل غير المنتظم.
3. القشور الدقيقة عند الجفاف:
إذا جُفّف الموضع تمامًا، تبدأ القشور الخفيفة في الظهور، وكأن الجلد يُظهر وجهه الحقيقي بعد أن زال عنه قناع الرطوبة.
4. نمط كوبنر (Koebner phenomenon):
ظهور آفاتٍ جديدة في مواقع الاحتكاك أو الضغط، وهو دليلٌ كلاسيكيّ على الطبيعة الصدفوية لا المعدية.
5. اختبارات المساعدة:
o فحص KOH يكون سلبيًا للفطريات.
o الفحص تحت ضوء وود لا يُظهر التوهج الورديّ للإريثرازما.
o الخزعة النسيجية تُظهر فرط التقرن، وتضخّم الطبقة الشوكية، ووجود الخُراجات المجهرية في البشرة — الصفات المميزة للصدفية حتى في صورتها البيضاء.

القاعدة الذهبية هنا أن التشخيص لا يُؤخذ من المظهر وحده، بل من سياق المريض:
تاريخ عائليّ للصدفية، وجود آفاتٍ في المرفق أو فروة الرأس، أو نوبات سابقة من الالتهاب، كلّها إشارات تدل على أن ما تراه بين الأصابع ليس فطرًا، بل مناعةٌ تبحث عن متنفسٍ صغير لتُعبّر عن اضطرابها.

في الجزء القادم من السلسلة سنتناول:
🔹 العلاج (Treatment Protocols) — كيف يُعاد التوازن المناعي في منطقةٍ لا تحتمل الكريمات القوية؟
🔹 التوقعات والمضاعفات (Prognosis and Complications) — متى تكون الصدفية بين الأصابع علامةً على اضطرابٍ جهازيّ أوسع، ومتى تظلّ مجرد فصلٍ موضعيّ في قصتها المزمنة؟

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (1/3)الوبائيات (Epidemiology)الصدفية مرضٌ شائع...
21/10/2025

الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba) — حين يختفي الاحمرار تحت رطوبة الجلد (1/3)

الوبائيات (Epidemiology)

الصدفية مرضٌ شائع نسبيًا، يصيب نحو 2٪ من سكان العالم، غير أن ظهورها في المسافات بين الأصابع يُعدّ من أندر صورها، إذ لا تتجاوز نسبة هذا النمط 2.6٪ من مجموع الحالات، يبدو أن الذكور أكثر عُرضة لهذا النمط مقارنةً بالإناث، ويُمكن أن تظهر الصدفية بين الأصابع في أي عمر، لكنها تتبع المنحنى الثنائي المعروف للمرض: ذروة أولى في سنّ الشباب المبكر، وأخرى في منتصف العمر أو بعده.

ويُلحظ أن وجود تاريخ عائلي قويّ للمرض يزيد احتمالية الإصابة بهذا الشكل الموضعـيّ، إذ تُقدّر نسبة الوراثة بنحو الثلث من الحالات. كما تميل إلى الظهور في مناخاتٍ حارةٍ ورطبة حيث يلتقي الاحتكاك بالعرق

الفيزيولوجيا المرضية وعوامل الخطورة (Pathophysiology and Risk Factors)

الصدفية ليست مرض جلدٍ فحسب، بل هي اضطراب في لغة المناعة، حيث يخطئ الجسد في قراءة خلاياه فيعاملها كعدوّ. إنها مرضٌ مناعيّ ذاتيّ تُحرّكه الخلايا التائية (T-Cells) التي تُطلِق سلسلةً من الإشارات الالتهابية — أهمها الإنترلوكين 17 و23 — لتدفع الخلايا الكيراتينية إلى الانقسام السريع في دورة لا تنتهي.

تتداخل في هذا النمط عواملٌ عدة، بعضها داخليّ وبعضها بيئيّ:
• العامل الوراثي: وجود الطفرات الجينية المرتبطة بمستضد HLA-Cw6 يزيد القابلية لحدوث المرض، ويُهيّئ الجهاز المناعيّ لحالةٍ من فرط النشاط المزمن.
• العوامل المثيرة (Triggers): العدوى الجلدية، خصوصًا العقدية والفطرية، قد توقظ المرض الكامن، إذ يمكن لفطرٍ بين الأصابع أن يشعل استجابةً مناعية تتحول إلى صدفية كاملة
• الأدوية: بعض الأدوية مثل الليثيوم، وحاصرات بيتا، ومضادات الملاريا، ومضادات الالتهاب اللاستيرويدية، قد تُثير المرض أو تُفاقمه.
• الظروف النفسية والمعيشية: التوتر المزمن، وقلة النوم، والتدخين، والسمنة، كلها عوامل تفتح الباب أمام نوباتٍ جديدة أو تُطيل أمد القديمة.
• الاحتكاك والرطوبة: وهما عاملان محوريان في النمط بين الأصابع، حيث يؤدي الاحتكاك المتكرر إلى ظاهرة كوبنر (Koebner Phenomenon)، أي ظهور آفاتٍ جديدة في مواضع الرضّ الميكانيكيّ.

وهكذا تصبح الصدفية بين الأصابع انعكاسًا دقيقًا لتفاعل الجلد مع بيئته: مرض مناعةٍ يبحث عن منفذٍ، فيجد بين الأصابع مكانًا مناسبًا — رطبًا، مغلقًا، ومجهدًا — فيتخفّى فيه بملامح العدوى.

في الجزء القادم من السلسلة سنتناول:
🔹 الصورة السريرية (Clinical Presentation) — كيف تتحدث الصدفية بلغةٍ مختلفة عندما تختبئ في الرطوبة؟
🔹 اللآلئ السريرية والتشخيص (Clinical Pearls and Diagnosis) — كيف يمكن للطبيب أن يفرّق بين المناعة التي تتنكر في هيئة فطر، والفطر الذي يقلّد الالتهاب؟

الثآليل بين الأصابع — الفيروس الذي يتقن التنكّرالجزء الثالث  التوقعات والمضاعفات (Prognosis and Complications)الثآليل بي...
20/10/2025

الثآليل بين الأصابع — الفيروس الذي يتقن التنكّر
الجزء الثالث التوقعات والمضاعفات (Prognosis and Complications)

الثآليل بين الأصابع، مهما بدت مزعجة، حميدة في جوهرها. كثيرٌ منها يزول تلقائيًا خلال عامٍ أو اثنين إذا تُرك دون عبث، فالفيروس محدود في طبقاته السطحية ولا يملك القدرة على الغزو العميق. لكنّ المشكلة ليست في العدوى، بل في استمراريتها. فقد تختفي وتعود في الموضع نفسه بعد شهور، أو تظهر في القدم الأخرى نتيجة التلقيح الذاتي (Autoinoculation).

العوامل التي تُحدّد المآل ليست قوة الفيروس، بل حال المناعة:

في الأصحاء، يزول في معظم الحالات دون أثر.

في ضعاف المناعة، قد يتكاثر حتى يُغطي مناطق واسعة، ويصبح مؤلمًا ومقاومًا للعلاج، بل يتحول أحيانًا إلى شكلٍ مزمنٍ يشبه الورم.

أما المضاعفات، فأغلبها نتيجة العلاج لا المرض:
التندّب بعد الكيّ أو التبريد، التصبّغ، العدوى الثانوية، أو الألم المزمن عند استعمال الحمض بتركيزٍ عالٍ في منطقةٍ رطبة كمسافة ما بين الأصابع. لهذا يُنصح دائمًا باللطف، فكل جلدٍ رطبٍ في منطقةٍ ضيّقة يحتاج علاجًا متدرّجًا لا عنيفًا.

التوقع العام ممتاز، لكنّ الثؤلول في جوهره معلّم صبور: يذكّر الطبيب والمريض معًا بأن إزالة المظهر لا تكفي، وأن الوقاية تكمن في ما هو أبسط — في الهواء، والجفاف، والنظافة الشخصية، وتجنّب المشي حافيًا في الأرضيات العامة الرطبة.

إن الثآليل بين الأصابع تُظهر لنا الوجه الفلسفيّ للأمراض الجلدية:
أنها ليست عدوى فحسب، بل حوار مستمر بين الجسد والعالم المجهريّ حول من يمتلك الحقّ في البقاء.

في الجزء القادم من السلسلة سنتناول:

🔹 الصدفية بين الأصابع (Psoriasis Alba): كيف يمكن لمرضٍ مناعيّ أن يلبس ملامح العدوى، فيغدو الجلد ميدانًا لتجسّد التهابه الداخليّ.
🔹 التشخيص الفارق بين العدوى والمناعة: حين يصبح الخطأ في القراءة أشدّ من الخطأ في العلاج.

الثآليل بين الأصابع — الفيروس الذي يتقن التنكّرالجزء الثاني: البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocols)علاج الثآليل ليس...
20/10/2025

الثآليل بين الأصابع — الفيروس الذي يتقن التنكّر
الجزء الثاني: البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocols)

علاج الثآليل ليس حربًا سريعة تُحسم بطلقة، بل معركة باردة بين المناعة والفيروس، تحتاج صبرًا أكثر مما تحتاج شراسة. فكلّ طريقة علاجية — من الكيّ إلى التحفيز — ليست إلا وسيلة لإيقاظ الجهاز المناعي ليتعرّف على الفيروس الذي تسلّل بصمت.

في الحالات الصغيرة أو المحدودة، العلاج الموضعيّ هو البداية المنطقية:

حمض الساليسيليك بتركيزاتٍ تتراوح بين 17–40٪ يُعدّ حجر الأساس. يُوضع يوميًا بعد ترطيب المنطقة الدافئة بالماء، ثم تُزال الطبقة المنقوعة برفق. هو علاج بسيط لكنه يتطلب المثابرة، إذ يعمل ببطء على إذابة الخلايا المصابة طبقةً بعد أخرى حتى ينهار البناء الفيروسيّ كله. يُفضّل تغطية الموضع بلاصقٍ محكم بعد وضع الحمض، فالرطوبة والانسداد يزيدان من فعاليته.

أما في العيادة، فـ العلاج بالتبريد (Cryotherapy) هو أكثر الإجراءات استخدامًا. تُطبَّق النيتروجين السائل لمدّة قصيرة على الثؤلول، فتتجمّد الخلايا المصابة وتنشقّ أوعيتها الدموية الصغيرة. يتكرر الإجراء كل 2–3 أسابيع حتى يزول. الألم المؤقت والتقرّح البسيط متوقعان، لكن النتيجة عادةً مرضية متى صبر المريض على التكرار.

في الحالات التي تتجاوز الحدود التقليدية — كالثآليل المتعددة أو المقاومة — يتحوّل الطبيب من التدمير إلى التحفيز المناعيّ:

إميكويمود (Imiquimod 5%) كريمٌ يُستخدم ثلاث مرات أسبوعيًا، ينشّط خلايا المناعة المحلية ضدّ الفيروس.

الحقن داخل الآفة بمواد مثل مستخلص Candida antigen أو البلوميسين يُحفّز استجابة عامة تُزيل حتى الآفات البعيدة، كأن الجهاز المناعيّ تذكّر أخيرًا ما كان قد تجاهله.

ولمن لا يتحمل الألم، تُستخدم طرق أكثر لُطفًا مثل السنكاتيشين (Sinecatechins) المستخلصة من الشاي الأخضر، أو حمض ثلاثي الكلوروأسيتيك (TCA) للحالات الموضعية. أما الاستئصال الجراحي أو الليزر فهو الخيار الأخير، يُستخدم حين يصبح الثؤلول مؤلمًا جدًا أو مشوّهًا، مع علم الطبيب أن الجراحة تُزيل الآفة لا الفيروس.

وربما كانت القاعدة الأهم في كل علاجٍ هي هذه:

أن يُعامل الطبيب الجلد كحليف، لا كساحة حرب.
فحين يعود الجلد إلى توازنه وتستيقظ مناعته، يختفي الفيروس دون أن يُترك أثرٌ للمعركة.

الثآليل بين الأصابع (Interdigital Verrucae) — الفيروس الذي يتقن التنكّرالوبائيات (Epidemiology)الثآليل الجلدية من أكثر ا...
20/10/2025

الثآليل بين الأصابع (Interdigital Verrucae) — الفيروس الذي يتقن التنكّر

الوبائيات (Epidemiology)

الثآليل الجلدية من أكثر الأمراض الفيروسية الجلدية شيوعًا، حتى قيل إنها تصيب في مرحلةٍ ما من العمر نحو 10٪ من البشر.
لكنّ ما بين الأصابع تظل منطقةً نادرة نسبيًا لهذه العدوى، لأنها ليست موضع تماسّ مباشر في العادة، بل بيئةٌ خانقة لا يدخلها إلا من يعتاد الرطوبة والبلل، كمن يرتدي الأحذية لساعاتٍ طويلة أو من يعرق كثيرًا.

الفيروس المسؤول هو فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، بعددٍ هائل من الأنماط يفوق 150 نوعًا، لكلٍّ منها ميله الخاص إلى منطقةٍ من الجلد أو الغشاء المخاطي.

الفيزيولوجيا المرضية وعوامل الخطورة (Pathophysiology and Risk Factors)

الفيروس يدخل صامتًا. لا يهاجم الجهاز المناعي مباشرة، بل يندسّ بين خلايا البشرة، مستغلًا أي تشقّقٍ صغير أو نقعٍ مزمنٍ في الجلد بين الأصابع. هناك، يبدأ ببرمجة الكيراتينوسايت لتتكاثر بلا انضباط، فينشأ بروزٌ جلديّ صغير يبدو كنسيجٍ زائد. لكنه في الحقيقة نسيجٌ «مخدوع» يعمل لمصلحة الفيروس.

يُبطئ الفيروس التفاعل المناعي في موضع الإصابة، فلا يشعر به الجسم إلا بعد أسابيع. وعندما يظهر، يكون قد شقّ طريقه في عمق الطبقة القرنية ليُصبح جزءًا منها.

عوامل الخطورة واضحة كخريطة مناخية:

بيئة رطبة مغلقة (أحذية ضيقة، جوارب غير قطنية).

ضعف المناعة الموضعية أو العامة.

إصابات متكررة بالجلد أو عادة قَشْر الآفات.

استعمال الأدوات المشتركة (مناشف، مقصات أظافر، أرضيات رطبة).

لكن العامل الأهم — كما في معظم أمراض القدم — هو الزمن: كلما طال بقاء الجلد في الرطوبة، ازداد احتمال استيطان الفيروس.

الصورة السريرية (Clinical Presentation)

في ظاهرها، تبدو الثآليل بين الأصابع كأي آفةٍ بيضاء لينة، لكن الفحص الدقيق يكشف اختلافها الهادئ.

السطح غير متقشّر بل مبلل، الحدود واضحة كأنها خُطّت بخط رفيع، واللون بين الأبيض والرماديّ المائل إلى الصفرة. عند الضغط الجانبيّ — وليس العموديّ — يظهر الألم بوضوح، وهي علامة كلاسيكية تُميّزها عن المسمار أو الكالو الذي يؤلم عند الضغط المباشر.

إذا أُزيلت الطبقة السطحية برفق، يُرى على الفور نمط النقاط السوداء الدقيقة، وهي أوعيةٌ متخثّرة صغيرة داخل النسيج المصاب — العلامة التي تفضح الثؤلول مهما حاول أن يتخفّى. وقد تكون الآفة منفردة أو متعددة، أحيانًا تلتحم لتشكّل كتلة ليفية صغيرة داخل الفراغ الضيق بين الأصابع، تُعيق ارتداء الحذاء وتسبّب ألماً عند المشي.

المرض عادةً غير حاكّ، لكنّ الاحتكاك والرطوبة قد يسببان التهابه الثانويّ أو انبعاث رائحةٍ مزعجة، فيلتبس أمره على المريض والطبيب معًا، ويُظن فطريًا.

اللآلئ السريرية والتشخيص (Clinical Pearls and Diagnosis)

يكفي أن يُزال سطح الآفة بوساطة مشرطٍ رقيق حتى تنكشف العلامات الفارقة:

النقاط السوداء (Thrombosed Capillaries) التي تُرى بعد التقشير.

انقطاع الخطوط الجلدية الطبيعية حول الآفة (dermatoglyphics)، إذ يلتف الجلد حولها بدل أن يعبرها.

نادراً ما يحتاج الطبيب إلى خزعةٍ نسيجية إلا إذا كانت الآفة غير نموذجية أو لم تستجب للعلاج، إذ يمكن لبعض سرطانات الخلايا الحرشفية أن تحاكي الثآليل، خصوصًا عند مرضى زراعة الأعضاء.

ومن اللآلئ التي لا تُنسى أن الثآليل — بخلاف الفطريات أو البكتيريا — لا تُشفى بالدواء فقط، بل بالمناعة. فكل علاجٍ فعّال في نهاية الأمر هو تحفيزٌ لجهاز المناعة ليُعرّف الفيروس ويقضي عليه. ولهذا قد تختفي الثآليل فجأة كما ظهرت، دون تفسيرٍ دوائيّ، حين يستيقظ جهاز المناعة.

في الجزء القادم من السلسلة سنتناول:

🔹 العلاج (Treatment Protocols) — من الحرق بالتبريد إلى التحفيز المناعي، كيف تُختار الوسيلة المناسبة؟
🔹 التوقعات والمضاعفات (Prognosis and Complications) — لماذا تعود الثآليل رغم العلاج، ومتى تصبح أكثر من مجرد مشكلة تجميلية؟

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (6/6)الإريثرازما مرضٌ سطحيّ محدود في معظم الحالات، ويكاد لا ي...
18/10/2025

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (6/6)

الإريثرازما مرضٌ سطحيّ محدود في معظم الحالات، ويكاد لا يترك أثرًا بعد علاجه.
لكنها — رغم بساطتها — تُعدّ مرآةً صادقة لحالةٍ أعمق: بيئة رطبة، عادات يومية سيئة، أو مرضٌ استقلابيّ صامت.
ولذا يجب أن تُقرأ الإريثرازما كتحذير أكثر منها كعدوى.

توقع الشفاء ممتاز عند الأصحاء؛ تزول الآفات خلال أسبوعين من العلاج وتندر النكسة إذا حُوفظ على الجفاف والنظافة.

أما عند مرضى السكريّ أو من لديهم ضعف مناعيّ، فقد تعود العدوى بصورة متكررة، بل وُثقت حالات نادرة تحوّلت فيها البكتيريا إلى عدوى جهازية شملت خُراجاتٍ أو التهابًا بوليًا أو حتى التهاب شغاف القلب، لكنّها تبقى استثناءً في مرضٍ غايته التذكير لا التهديد.

الازعاج الأكثر شيوعًا هو الانتكاس، وغالبًا سببه عودة الظروف نفسها التي بدأت منها العدوى: حرارةٌ، عرقٌ، وثنياتٌ مغلقة، ولهذا فإن نجاح العلاج يُقاس بمدى تغيّر البيئة أكثر مما يُقاس بزوال البقعة.

في النهاية، تبقى الإريثرازما مرضًا يعلّمنا التواضع الطبيّ: ليس كلّ ما يشبه الفطر فطريًّا، وليس كلّ ما يزول بالمرهم قد شُفيَ فعلاً. إنها تذكير بأن الجلد — هذا السطح الهادئ الظاهر — ما هو إلا مرآةٌ دقيقةٌ للجهاز بأكمله: كلّما اختلّ الداخل، نطق الخارج بلغةٍ خافتة من ضوءٍ ورديّ.

غدا بالجزء القادم من السلسلة سنتناول:

🔹 الثآليل بين الأصابع (Interdigital Verrucae): كيف يغيّر الفيروس ملامح الجلد ليتخفّى بين الطيّات الرطبة.

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (5/6)البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocols)علاج الإريثرا...
18/10/2025

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (5/6)

البروتوكولات العلاجية (Treatment Protocols)

علاج الإريثرازما من أبسط ما يكون، لكنه في الوقت نفسه من أكثر ما يُخطئ الأطباء في تقديره. فالمشكلة ليست في مقاومة الدواء، بل في تجاهل البيئة التي سمحت للبكتيريا أن تتحوّل من ضيفٍ إلى مستعمر.

العلاج الموضعيّ هو حجر الأساس.
يُستعمل كليندامايسين 1 % أو إريثرومايسين 2 % محلولًا أو كريمًا مرتين يوميًا لمدة أسبوعٍ إلى أسبوعين.
كذلك يُظهر حمض الفيوسيديك 2 % فاعلية ممتازة في إزالة البكتيريا، وإن كان غير متاحٍ في كل الأسواق.
أما البنزويل بيروكسيد فيعمل عملًا مزدوجًا: مضادّ للبكتيريا ومقشّر خفيف يقلّل من تراكم الكيراتين المبلّل الذي تعيش تحته Corynebacterium minutissimum.

في الحالات الواسعة أو المتكرّرة، يكفي غالبًا قرص واحد من كلاريثرومايسين 1 غم عن طريق الفم، أو إريثرومايسين 250 مغم أربع مرات يوميًا لمدة 14 يومًا. هذا النظام البسيط يُنهي العدوى تمامًا لدى معظم المرضى، إذ لا تحتاج البكتيريا إلا إلى زوال البيئة الرطبة حتى تخمد.

لكن الدواء وحده لا يكفي.
فالجلد إن لم يُنقَّ من العرق والاحتكاك والرطوبة، سيستقبل البكتيريا مجددًا ولو بعد حين. لذا، فإن إصلاح البيئة هو المرحلة الثانية للعلاج:

تجفيف المسافات بين الأصابع جيدًا بعد الغسل.

ارتداء جوارب قطنية تمتصّ الرطوبة وتُبدّل يوميًا.

استخدام بودرة ماصّة أو تالك خفيف يحافظ على جفاف الثنيات.

خسارة الوزن الزائد عند من يعانون السمنة، وضبط سكر الدم عند مرضى السكري.

فالعلاج الحقيقيّ هو أن يُصبح الجلد بيئةً لا تناسب التمرّد البكتيري من جديد.

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (4/6)اللآلئ السريرية والتشخيص (Clinical Pearls and Diagnosis)...
18/10/2025

الإريثرازما (Erythrasma) — حين تتنكر البكتيريا في هيئة فطر (4/6)

اللآلئ السريرية والتشخيص (Clinical Pearls and Diagnosis)

التمييز بين الإريثرازما والتينيا القدم هو مفتاح التشخيص الصحيح، وقد يُختصر كلّه في لحظة ضوء.

ضوء وود (Wood’s Lamp):

حين تُضاء الآفة بضوءٍ فوق بنفسجيّ طويل الموجة، تُشرق بلونٍ مرجانيّ أو ورديٍّ ساطع يشبه الوهج الخفيف لفجرٍ قديم. ذلك اللون ليس زينة، بل إشارة كيميائية يُصدرها صبغ «الكوبروبورفيرين III» الذي تفرزه البكتيريا نفسها. لكن القاعدة السريرية الذهبية هي ألا يُغسل الموضع قبل الفحص، فالغسل يزيل الصبغ ويُطفئ الضوء الدليل.

الاختبارات المساعدة:

الفحص بـ KOH يكون سلبيًا للفطور، ما يُبعد التينيا ويُثبّت الاشتباه في الإريثرازما. يمكن لصبغة غرام أن تكشف عن عُصيّاتٍ موجبة غرام رفيعة ومتفرّعة، لكنّها نادراً ما تُستخدم إلا في الحالات المعقّدة.

اللآلئ التشخيصية (Clinical Pearls):

غياب الحكّة الشديدة علامة موجِّهة ضدّ العدوى الفطرية.

اللون البنيّ المائل للنحاسي مع سطحٍ ناعمٍ بدون تشقق أو قشور خشنة يشير إلى إريثرازما أكثر من تينيا.

المرض كثيرًا ما يتجاور مع السكري أو البدانة، فيجب أن يُنظر إليه كـ «علامة جلدية لاضطراب جهازيّ».

التشخيص إذن ليس نتيجة اختبارٍ فقط، بل قراءةٌ للسياق: لون الجلد، البيئة، ونمط الحياة. وحين يُرى الضوء الورديّ في غرفةٍ مظلمة، يكون الطبيب قد رأى ليس البكتيريا فحسب، بل اختلال التوازن الذي أيقظها.

في الجزء القادم من السلسلة سنتناول:

🔹 العلاج ( Treatment Protocols ) — كيف يُطفأ الوهج الورديّ بأبسط الوسائل؟

Address

Khalda Station Street
Wad Medani

Alerts

Be the first to know and let us send you an email when Mohammed Qurashi Abbas posts news and promotions. Your email address will not be used for any other purpose, and you can unsubscribe at any time.

Contact The Practice

Send a message to Mohammed Qurashi Abbas:

Share

Share on Facebook Share on Twitter Share on LinkedIn
Share on Pinterest Share on Reddit Share via Email
Share on WhatsApp Share on Instagram Share on Telegram

Category